من المعروف تاريخيًّا: أن أوَّل من بنى القُدس هم "اليَبُوسِيُّون" وهم قبيلة من قبائل العرب القدامى، نَزحت من شِبهِ الجزيرةِ العربيةِ مع الكنعانيين، وذلك منذ نحو ثلاثين قرنًا قبل الميلادِ، وكانت تُسمَّى "أورشالم" أو مدينة "شالم"، وهو إله اليَبُوسِيِّين، كما احتفظت باسمها الأول "يَبُوس" نسبة إلى القبيلة، وقد ورد ذكرُ هذا الاسم في التوراة.
وبعد ذلك سكن القدس وسكن فلسطين عامة: العرب الكنعانيون وغيرهم قرونًا وقرونًا، إلى أن جاءها إبراهيمُ عليه السلام مهاجرًا من وطنه الأصلي بالعراق،غريبًا وقد دخل فلسطين هو وزوجه سَارَّة، وعمره ـ كما تقول أسفار العهد القديم ـ (75) سنة.
ولَمَّا بلغ (100) سنةِ وُلِد له إسحاق (سفر التكوين: ف 12)، ومات إبراهيمُ وعمره (175) سنة، ولم يمتلك شبرًا من فلسطين، حتى إن زوجه سارَّة لَمَّا ماتت طلب من الفلسطينيين لها قبرًا (سفر التكوين: ف 23)، تُدفَن فيه.
ولمَّابلغ إسحاق (60) سنة وُلِد له يعقوب، ومات إسحاق وعمره (180) سنة، ولم يَملِك شبرًا أيضًا منها.
ارتَحل يعقوب بذرِّيته بعد أبيه إلى مصر، ومات بها وعمره (147) سنة، وكان عَدد بنيه وأولادهم (70) نفسًا لَمَّا دخلها، وكان عمره (130) سنة (سفر التكوين: ف 46).
ومعنى هذا أن المُدَّة التي عاشها إبراهيمُ وابنهُ إسحاق،وحفيدهُ يعقوب في فلسطين: (230) سنة، وقد كانوا فيها غُرباء لا يَملكون من أرضها ذراعًا ولا شبرًا.
وتقول التوراة: إن المدَّة التي عاشها بنو إسرائيل بمصرَ حتىأخرجهم موسى: (430) سنة (سفر التكوين: ف15)، كانوا أيضًا غرباءَ لا يملكون شيئًا،كما تقول التوراة: إن المدَّة التي عاشها مُوسى وبنو إسرائيل في التِّيه بسيناء (40) سنة، أي أن العهد الذي صَدر إليهم من الله مَضى عليه حينذاك (700) سبعمائة سنة، وهم لا يَملكون في فلسطين شيئًا فلماذا لم يُحقِّق الله تعالى وعْده لهم؟؟
ومات موسى ولم يَدخُل أرض فلسطين، إنما دخل شرقي الأردن ومات بها(سفر الخروج: التثنية: ف3).
والذي دخلها بعده: يشوع (يوشع)، ومات بعد ما أباد أهلَها (كما تقول التوراة). وقسَّم الأرض على أسباطِ بني إسرائيل، ولم يَقم لبني إسرائيل مُلك ولامملكة، وإنما قام بعده قُضاة حكموهم (200) سنة، ثم جاء بعد القُضاة حُكم الملوك: شاؤول وداود وسليمان، فحكموا (100) سنة، بل أقلّ، وهذه هي مُدَّة دولتهم، والفترة الذهبية لهم. وبعد سليمان انقسمت مَمْلكته بَيْنَ أولاده: يهوذا في أورشليم،وإسرائيل في شكيم (نابلس)، وكانت الحرب بينهما ضَروسًا لا تتوقَّف، حتى جاء الغزو البابليُّ فمحقهما مَحْقًا، دَمَّر الهيكل وأورشليم، وأَحرق التوراة وسبى كلَّ منبقي منهم حيًّا، كما هو معلومٌ من التاريخ..
ويعلِّقُ على ذلك الشيخ عبد المعز عبد الستار في كتابه (اقتربَ الوعدُ الحقُ بإسرائيل) قائلاً:
فلو جَمعتَ كلَّ السنواتِ التي عاشوها في فلسطين غُزاة مُخربين، ما بلغت المدَّة التي قضاها الإنجليز في الهند أو الهولنديون في أندونيسيا! فلو كان لمثل هذه المدَّة حقّ تاريخي لكان للإنجليز والهولنديين أن يُطالِبوا به مثلهم!
ولو كانت الأرض تُملك بطول الإقامة في زمن الغُربة، لكانَ الأوْلى بهم أن يُطالبوا بِمِلْكيَّة مصر التي عاشوا فيها (430) سنة بَدَلَ فلسطين التي عاش فيها إبراهيم وأولاده (200) سنة أو تَزيد قليلاً ودخلوها شَخْصَيْن وخرجوا (70) نفسًا!.
لكن هؤلاء اليهود لا يَدَّعُون الحقَّ في امتلاك أرضِ فلسطين وحدها، وإنما يَدَّعُون الحقَّ في امتلاك الكرة الأرضية كلِّها.
على أنهم لم يَكادوا يَنفكُّون من الغزو البابلي، حتى جاءهم الغزو الروماني فأباد خضراءهم ومزقهم كلَّ ممزّق،وتم القضاء على آخر وجود لليهود في فلسطين, كما حرموا دخول المدينة بعد ذلك لمدة 200 سنة تالية. ثم جَاء الفتح الإسلامي وهم مشرَّدون في الأرض،مُحرَّم عليهم أن يُقيموا في أورشليم، حتى إن البِطْرِيَرْكَ صفرنيوس بطريرك القدس شَرط على أمير المؤمنين عمر وهو يُسلِّمه مفاتيح القدس: ألا يَسمح لليهود بدخول إيليا أو الإقامة فيها.